Print this page

القدس تطرق أبواب محكمة العدل الدولية

31 كانون2 2019

د. كمال قبعه

حققت استراتيجية تدويل قضية فلسطين إنجازات كبيرة وعديدة، كان آخرها ترؤس دولة فلسطين مجموعة ال 77 و الصين بتاريخ 15 كانون الثاني /يناير 2019 والتي تضم 146 دولة من أعضاء الجمعية العامة ال 193. وسبق ذلك قبول انضمام فلسطين عضوا ً كامل العضوية في اليونسكو بتاريخ31 تشرين أول/ أكتوبر 2011. وتم منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة بتاريخ 29تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. وبتاريخ الأول من نيسان/ أبريل 2015 أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عن انضمام دولة فلسطين رسميا إليها لتصبح العضو رقم 123. وبتاريخ 11 أيلول/ سبتمبر 2015 أجازت الأمم المتحدة رفع العلم الفلسطيني فوق مقرها. وقبلت الإنتربول فلسطين عضوا فيها بتاريخ 27 أيلول/ سبتمبر 2017. وتم انضمام دولة فلسطين إلى العشرات من المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

دولة فلسطين تقاضي أمريكا

وفي ذات السياق تقدمت دولة فلسطين بشكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة، بسبب "انتهاكها القانون الدولي ونقل سفارتها إلى مدينة القدس المحتلة". وقد استندت فلسطين في خطوتها غير المسبوقة هذه، إلى عضويتها في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، وعلى وجه التحديد البروتوكول الاختياري للاتفاقية وقبول الاختصاص الإلزامي لمحكمة العدل الدولية لتسوية النزاعات المتعلقة بالقضايا ذات الصلة بالاتفاقية[1]. وقد سبق وأن انضمت فلسطين إلى الاتفاقية في 2 إبريل/ نيسان 2014، وإلى البروتوكول الاختياري في 22 مارس/ آذار 2018، في حين أن الولايات المتحدة طرف في الاتفاقية منذ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1972. وقد بلغ عدد الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة حتى 31 تموز/ يوليو 2018 نحو 193 دولة. وقامت دولة فلسطين بإيداع إعلان لدى قلم المحكمة بتاريخ الرابع من تموز/ يوليو 2018 متضمناً النص التالي[2]:"تعلن دولة فلسطين بموجب هذا الكتاب أنها تقبل بأثر فوري إختصاص محكمة العدل الدولية بالنظر في كل النزاعات الراهنة والتي قد تنشأ في المستقبل، المشمولة بالمادة الأولى من البروتوكول الإختياري لإتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية

المتعلق بالتسوية الإلزامية للمنازعات (1961) الذي إنضمت إليه دولة فلسطين في 22 آذار/ مارس 2018.

وقد استندت دولة فلسطين في الشكوى المرفوعة إلى اتفاقية فيينا التي تنص على وجوب إنشاء البعثة الدبلوماسية للدولة المرسلة على أراضي الدولة المستقبلة، وهو ما قد يمثّل، في هذه الحالة، انتهاكاً للاتفاقية، بالنظر إلى أن القدس ليست من ضمن أراضي إسرائيل، وفقاً للقرارات الدولية المتعاقبة. وقدّمت دولة فلسطين الالتماس بموجب المادة الأولى من البروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا، والمتعلق بالتسوية الإجبارية للنزاعات.

اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية هي معاهدة دولية وقعت عام 1961، وتحدد إطاراً للعلاقات الدبلوماسية بين الدول المستقلة، وتحدد أيضاً امتيازات البعثة الدبلوماسية في البلد المضيف. وتشكل الاتفاقية الأساس القانوني للحصانة الدبلوماسية، وتعتبر موادها حجر الزاوية في العلاقات الدولية الحديثة. وألحق بالإتفاقية البروتوكول الثاني الاختياري لاتفاقية فيينـا للعلاقـات الدبلوماسـية المتعلـق بالتـسوية الإلزاميـة للمنازعـات، في ١٨ نيسان/ أبريل 1961 والذي نص على أن الدول لأطراف في هذا البروتوكول وفي اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، "تبدي رغبتها في الالتجاء في جميع المسائل التي تعنيها بشأن أي نزاع يتعلق بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها، إلى الولاية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية، ما لم تتفق في غضون فترة معقولة من الزمن على أية طريقة أخرى لتسويته" .وقد اتفقت على في المادة الأولى على أن "تدخل المنازعات المتعلقة بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها في الولاية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية، ويجوز بناءً على ذلك رفعها إلى المحكمة بصحيفة دعوى يقدمها أي طرف في النزاع يكون طرفاً في هذا البروتوكول" .وأشارت المادة الثانية بأنه "يجوز للطرفين، في غضون شهرين من إعلان أحدهما الآخر برأيه في نشوء نزاع الاتفاق، على الرجوع إلى هيئة تحكيم بدلاً من محكمة العدل الدولية".

وعملا بالقواعد الإجرائية لرفع الدعوى أمام محكمة العدل الدولية، تم توجيه رسالة في مايو/ أيار 2018 من قبل وزارة الخارجية الفلسطينية لوزارة الخارجية الأمريكية، طالبتها فيها بعدم نقل سفارتها إلى القدس لما يشكل ذلك انتهاكاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية وقرارات مجلس

الأمن. وفي ظل غياب رد رسمي من الولايات المتحدة وعدم امتثالها للقانون الدولي، فقد تم إبلاغ وزارة الخارجية الأمريكية بمذكرة خطية بتاريخ 4 يوليو/تموز 2018، بوجود نزاع قانوني، وفقاً للقواعد والإجراءات الخاصة بمحكمة العدل الدولية. وبعد مرور المدة القانونية واستيفاء كل الشروط لرفع قضية ضد الولايات المتحدة، تم تسليم الدعوى إلى مسجل المحكمة بشكل رسمي لمقاضاة الولايات المتحدة.

وتضمنت الدعوى ثلاثة مطالب إلى محكمة العدل الدولية ضد الولايات المتحدة، وهي:

أولاً: الإعلان أن نقل السفارة إلى مدينة القدس المحتلة يشكل انتهاكا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية".

ثانياً: أمر الولايات المتحدة الأمريكية بسحب بعثتها الدبلوماسية من المدينة المقدسة والامتثال لالتزاماتها الدولية وفقا لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية،

وثالثا: أمرها باتخاذ الإجراءات الضرورية للامتثال لالتزاماتها، والامتناع عن اتخاذ أي خطوات مستقبلية قد تنتهك التزاماتها وتوفير الضمانات اللازمة لعدم تكرار فعلها غير القانوني".

وأعلنت محكمة العدل الدولية بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 2018، أنها تلقت الشكوى الفلسطينية رسمياً. وبتاريخ 3 كانون الأول/ ديسمبر 2018، أعلنت المحكمة بأنها ستنظر في دعوى قضائية رفعتها فلسطين إليها بخصوص انتهاك الولايات المتحدة القانون الدولي بنقل سفارتها لمدينة القدس. وذكر بيان صادر عن المحكمة، التي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقراً لها، أنها ستنظر في البداية فيما إذا كانت القضية من اختصاصها أم لا، ومن ثم تنظر في قبول الدعوى. وأوضح البيان أن المحكمة طلبت من كلا البلدين تبريراً خطياً. ومنحت المحكمة لفلسطين مدة أقصاها حتى 15 مايو/ أيّار 2019 لتقديم تبريرها الخطي، وللولايات المتحدة حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه.

محاولات أمريكية للهروب الهزيمة

سارع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون في الثالث من أكتوبر 2018، بالقول إن الولايات المتحدة بصدد الانسحاب من البروتوكول الاختياري لإتفاقية فيينا المعني بتسوية

المنازعات . وأكد بولتون أن "القرار مرتبط بالقضية التي رفعتها ما تسمي بالدولة الفلسطينية واصفة الولايات المتحدة باعتبارها مدعي عليه، في تحد لتحركنا بشأن نقل سفارتنا من تل أبيب إلى القدس". مع العلم بأن الولايات المتحدة لا تزال طرفا في معاهدة فيينا الأساسية بشأن العلاقات الدبلوماسية، وعليها أن تخضع لكافة النصوص والالتزامات الواردة فيها.

ولعل من الجدير الإشارة إليه يتمثل في أن خطوة الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب من البرتوكول الاختياري، بشأن التسوية الإلزامية للمنازعات بين الدول الأطراف في الاتفاقية، قد جاءت متأخرة، إذ تم إبلاغ وزارة الخارجية الأمريكية بمذكرة خطية من وزارة الخارجية الفلسطينية بتاريخ 4 يوليو/ تموز 2018، بوجود نزاع قانوني، وفقاً للقواعد والإجراءات الخاصة بمحكمة العدل الدولية. وتم إعلان بولتون فقط عبر وسائل الإعلام في الثالث من أكتوبر 2018، أي بعدما وصلت إلى المحكمة الدولية وتسليمها إلى مكتب مسجل المحكمة.ولا شك أن هذه النقطة ستقوم المحكمة بالتطرق إليها من ضمن المسائل الإجرائية التي ستُبحث في القضية. وكذلك فإن إبقاء الولايات المتحدة على عضويتها في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، واتفاقية فيينا للاتفاقيات الدولية، وقبولها بميثاق محكمة العدل الدولية الذي يُشكل الفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة، يجعل من الصعب تملص الولايات المتحدة من إلتزاماتها بموجبها. وقد حاولت فعل ذلك في نزاعها مع إيران، حينما لم تعترف واشنطن بأهلية محكمة العدل الدولية للنظر في شكوى إيران ضد العقوبات الأميركية، وهو الأمر الذي رفضته المحكمة في قرار لها في الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر 2018.

وقد دفعت هزيمة أمريكا من قبل إيران في محكمة العدل الدولية، وهزيمتها المتوقعة أمام دولة فلسطيني، إلى تصريح جون بولتون، في الرابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2018 بأن الإدارة الأمريكية، تعمل على مراجعة جميع اتفاقيات بلاده الدولية، التي قد تعرضها لقرارات ملزمة من جانب محكمة العدل الدولية. وتجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب قد أقدمت على الإستخفاف والتنكر لإلتزاماتها التعاقدية الثنائية والمتعددة الأطراف، فقد إنسحبت من الاتفاق النووي المبرم بين ست قوى عالمية وإيران، ومن اتفاق عالمي للمناخ في حزيران/ يونيو 2017 حينما إنسحبت من إتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، ومن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ومجلس حقوق الإنسان، وهدد الحلفاء العسكريين في حلف شمال الأطلسي بأن

الولايات المتحدة "ستمضي بمفردها" إذا لم ينفقوا أكثر على الدفاع. وراح الرئيس الأمريكي يسحب بلاده من اتفاقيةٍ تلو الأخرى، لتصل قرار الرئيس الأمريكي حول الانسحاب من معاهدات أو منظمات دولية إلى الرقم ستة، وهو رقمٌ مرشحٌ للازدياد مع مرور أيام حقبة ترامب في البيت الأبيض؛ كان أسلافه في حكم البيت الأبيض قد وقعوها، ويؤكد إصرار الإدارة الأميركية برئاسة ترامب على تجاوز القانون الدولي، وترسيخ مزيد من الفوضى في النظام العالمي، عن طريق المجاهرة والتلويح باستخدام القوة كبديل للقانون والنظام المتفق عليها عالميا، واستبدال تلك القوانين الولية بشريعة الغاب، في سعي منها إلى خلق فوضى قانونية عالمية، تشكل خطرا على الأمن والاستقرار العالمي.

أساسيات وأسانيد صحيفة الدعوى الفلسطينية

من الناحية الموضوعية للطلب الفلسطيني، فإن هذا الطلب يرتكز على واقعة أن ترامب قد وقع في السادس من كانون الأول/ ديسمبر 2017، قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وفتتحت الولايات المتحدة في 14 أيار/ مايو 2018 رسميا سفارتها في القدس المحتلة، بتأكيد من الرئيس الأمريكي ترامب على أن القدس عاصمة حقيقية لإسرائيل. وإثر فشل قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر 2017، بعد فيتو أمريكي، لإلغاء اعتراف أي دولة بالقدس بأنها عاصمة إسرائيل، أقرت الجمعية العامة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2017، بأغلبية 128 صوتا مقابل تسعة أصوات وغياب 21 عضوا عن التصويت وامتناع 35 عضوا[3]، مشروع قرار يدعو إلى سحب إعلان ترامب وإعتباره باطلاً ؛ وذلك بالإستناد إلى القرار 377، المعروف بقرار "متحدون من أجل السلام"، للالتفاف على حق النقض.

وقد أكد القرار على قرارات مجلس الأمن المتعاقبة بشأن القدس وذات الصلة، بما فيها القرارات 252(1968) في 21 مايو 1968 و 267(1969) في 3 يوليو 1969، و 298 (1971) في 25 سبتمبر 1971 و 446( 1979) في 22 مارس 1979 و 465 (1980) في 1 مارس1980 و 476 (1980) في 30 يونيو 1980 و 478 (1980) في 20 أغسطس، 1980 و2234 (2016) في 23 ديسمبر، 2016.

وكان عددٌ من دول العالم تفتح سفاراتها لدى إسرائيل في القدس الغربية، وذلك إلى غاية صدور القرار 478 بتاريخ 20 آب/ أغسطس 1980 والقاضي بعدم الاعتراف ب "القانون الأساسي" وغيره من أعمال إسرائيل التي، نتيجة لهذا القانون، وتسعى إلى تغيير طابع ووضع القدس ويدعو:

(أ) جميع الدول الأعضاء إلى قبول هذا القرار.

(ب) وتلك الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحب هذه البعثات من المدينة.

(ج)يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تريرا إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ هذا القرار قبل 15 نوفمبر 1980.

ومنذ ذلك التاريخ، لم تتخذ أي دولة في العالم من القدس مقرًا لسفارتها لدى إسرائيل باستثناء خمسة بلدان، أولها كوستاريكا عام 1982، وعدلت عن قرارها في منتصف أغسطس عام 2006، والسلفادور عام 1984، وعدلت عن قرارها في نهاية أغسطس 2006، ثم الولايات المتحدة في منتصف مايو 2018، تبعتها جواتيمالا، ثم باراجواي في نهاية مايو الماضي، قبل أن تعدل الأخيرة عن ذلك القرار في السادس من سبتمبر الفائت مع تولي الرئيس الجديد مقاليد الحكم.

ولدى النظر في الدعوى الفلسطينية ، سيتبين لمحكمة العدل الدولية بأن قرار ترامب يخالف بل وينتهك كافة قرارات الشرعية الدولية بشأن القدس. فقد توالت قرارات مجلس الأمن بشأن الوضع القانوني للقدس على مدار سنين الإحتلال. ومنذ بداية الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية عام1948 وما بعد عام 1967 حتى الآن، تحرك مجلس الأمن الدولي لكف إسرائيل عن التعامل مع مدينة القدس باعتبارها عاصمة لها[4]. وترفض هذه القرارات، السياسات والإجراءات التي تقوم بها سلطات دولة الإحتلال، وتشترك في التأكيد وإعادة التأكيد، على أن:

أية قرارات وإجراءات ترمي إلى تغيير طابع مدينة القدس الشريف أو وضعها أو تكوينها الديمغرافي ليس لها أي أثر قانوني، وباطلة ولاغية، ويجب إلغاؤها امتثالا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتطلب في هذا الصدد إلى جميع الدول الامتناع عن إنشاء بعثات دبلوماسية في مدينة القدس الشريف، عملا بقرار مجلس الأمن 478 (1980).

تطالب بأن تمتثل جميع الدول لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس الشريف، وألا تعترف بأي إجراءات أو تدابير مخالفة لتلك القرارات.

وبالتأكيد لن يفوت المحكمة نص ومضمون قرارها هي ذاتها بتاريخ 9/7/2004، حول قضية قانونية جدار الفصل والضم التي أشادته دولة الإحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية؛ تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 3/12/2003 حينما قررت وبكل وضوح في الفقرة 78 من قرارها بأن " جميع الأراضي (بما فيها القدس الشرقية) تظل مناطق محتلة، وما تزال إسرائيل تحمل صفة القوة المحتلة".

ولا ريب في أن المحكمة ستستند إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي العام المعاصر، التي أزاحت وأبطلت بل وحرمت تسويغ نتائج الاحتلال والتغييرات الإقليمية الجيواستراتيجية بفعله، وأكدت "مبدأ الشرعية legalite القائم على فكرة سيادة القانون الدولي، لكي يحل محل مبدأ الفاعلية effectivite' القائم على أن "الأمر الواقع يُصحح التصرفات الباطلة".[5] وهو الأمر الذي تجاهله أو يجهله ترامب!؟

ويأبى الإسرائيليون الإقرار بتطور المبادئ والقواعد الدولية، ويصرون على رؤية العلاقات الدولية بعيون عتيقة بالية عوراء، لا ترى سوى ما "يُشّرع" إجراءاتهم وانتهاكاتهم واحتلالهم للأراضي الفلسطينية، ويفتشون في الكتب الفقهية الصفراء البالية البائدة عن أحكام تقادمت وتناسخت وأبطلت بل وجُرِمت، بموجب مبادئ وقواعد القانون الدولي المعاصر، الذي أزاح وأبطل العديد من القواعد والأحكام وأعتبر العديد منها جرائم دولية. ويزداد تغوُل إسرائيل بهذا الإتجاه بعدما شاطرهم ترامب ذلك.

يتطلب كل ما تقدم، المباشرة وبشكل سريع بإعداد ملف الدعوى الفلسطينية والتي يتوجب أن تتضمن بداية طرح الأسانيد القانونية الدولية، بشأن أن القضية المطروحة أمامها هي من إختصاصها، بموجب البروتوكول الثاني الاختياري لاتفاقية فيينـا للعلاقـات الدبلوماسـية المتعلـق بالتـسوية الإلزاميـة للمنازعـات، في ١٨ نيسان/ أبريل 1961، والذي نص على أن الدول لأطراف في هذا البروتوكول وفي اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، " تبدي رغبتها في الالتجاء في جميع

المسائل التي تعنيها بشأن أي نزاع يتعلق بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها، إلى الولاية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية" .وقد اتفقت الدول المتعاقدة في المادة الأولى على أن "تدخل المنازعات المتعلقة بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها في الولاية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية، ويجوز بناءً على ذلك رفعها إلى المحكمة بصحيفة دعوى يقدمها أي طرف في النزاع يكون طرفاً في هذا البروتوكول".

ويتوجب أن تتضمن صحيفة الدعوى، كافة حيثيات ووقائع الدعوى والتي تم إيجازها في هذه الدراسة المختصرة؛ علماً أن الإطار الزمني لإنجاز ذلك قد تم من قبل المحكمة، إذ أنها قد منحت فلسطين مدة أقصاها حتى 15 مايو/ أيّار 2019 لتقديم تبريرها الخطي، وللولايات المتحدة حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. وقد يكون من الضرورة بمكان، تشكيل فريق عمل من المختصين والخبراء في القانون الدولي، سواءً أكانوا من الفلسطينيين وهم كثر، أو من الأخوة العرب والأصدقاء الدوليين وهم أيضاً كثر وعلى إستعداد للمساهمة، بإشراف مباشر وكامل من قبل وزارة الخارجية الفلسطينية.

[1] وكالة وفا بتاريخ 29 أيلول/ سبتمبر 2018.

[2] منظمة الأمم المتحدة، الجمعية العامة، الوثائق الرسمية، الدورة الثالثة والسبعون، الملحق رقم 4, تقرير محكمة العدل الدولية: 1 آب/ أغسطس 2017- 31 تموز/ يوليو 2018، a\73\4، ص 13.

[3] الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار رقم A/ES-10/L.22 حول القدس، بتاريخ 21 كانون الأول/ ديسمبر 2017.

[4]د. كمال قبعه، القدس في ضوء الشرعية الدولية، في كتاب: القدس واقع وتحديات: مجموعة أوراق بحثية، مركز الأبحاث: منظمة التحرير الفلسطينية، رام الله، آذار/ مارس 2016، ص 141-167.

[5] المصدر السابق، ص 36.