Print this page

نحو استراتيجية فلسطينية لمعاقبة الفصل العنصري الصهيوني

17 كانون2 2022

د. كمال قبعه عضو اللجنة الوطنية الفلسطينية للقانون الدولي الإنساني، ممثل المجلس الوطني الفلسطيني في اللجنة


بات وصف إسرائيل بأنها دولة "فصل عنصري" من أهم أحد أهم متغيرات عام 2021، بعدما تكرر هذا الوصف في تقارير منظمات إسرائيلية ودولية، وفي مواقف مثقفين وأكاديميين معروفين، ونواب برلمانيين، كما حذّر منه مسؤولون حكوميون. وتعتبر ممارسة التمييز العنصري جريمة ضد الإنسانية بموجب الاتفاقية العالمية لمنع ومعاقبة جرائم الفصل العنصري (1976)، ومشروع قانون الجرائم ضد السلام وأمن البشرية (1996) وميثاق روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية (1998).

وتحدد الصكوك المذكورة ممارسات وسياسات الفصل العنصري والقمع المنهجي بهدف إنشاء وإدامة السيطرة العنصرية لفئة معينة على فئة أخرى. وتشير إتفاقية الفصل العنصري بشكل خاص إلى أدوات “الممارسات غير الإنسانية”، بما فيها “الإجراءات التشريعية التي تسن لمنع جماعة عرقية أو جماعات عرقية من المشاركة في العملية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية للدولة” والإجراءات التشريعية التي تسن لتقسيم السكان وفقاً لأسس عرقية عن طريق إنشاء معسكرات وتجمعات منفصلة لأعضاء مجموعة أو مجموعات عرقية.

يعيدنا هذا التغير إلى الوراء بنحو خمسة وأربعون عاماً، ففي نوفمبر 1975 اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3379، "أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيدلوجية الصهيونية كونها تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين. ورغم ان أمريكا تمكنت من فرض إلغاء القرار ديسمبر 1991، شرطا لعقد مؤتمر مدريد، لكن جوهر القرار نصا وممارسة زاد بمختلف مظاهره، في فلسطين التاريخية، رغم توقيع اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) عام 1993، لكن دولة الكيان ذهبت لقتله مبكرا فاغتالت مُوَقع الاتفاق، رئيس وزرائها و"بطلها القومي" اسحق رابين تأكيدا لرفض كل فرص بناء سلام بلا كراهية وعنصرية، ثم جاء اغتيال الشريك الفلسطيني المؤسس ياسر عرفات، استكمالا للمظهر العنصري برفض الفلسطيني شريكا.

ودون أي تأثير لإلغاء القرار من الجمعية، فقد أصدرت مؤسسات الأمم المتحدة قرارات تعيد الاعتبار للربط بين الممارسة الصهيونية والعنصرية، وأضيف لها تعبير جرائم الحرب التي أصبحت سمة للكيان الإسرائيلي، ومنها الاستيطان وعمليات "الإبادة الفلسطينية" في السنوات الأخيرة، وابرزها تقرير غولدستون الذي فضح أبعادا جديدة للمنظومة العالمية عن دولة الكيان، ثم قانون "القومية" الذي يحيل 22% من سكان فلسطين الأصليين الى سكان بلا حقوق سوى ما تقرره الحكومة الصهيونية، فلم يعد بالإمكان تغطية السمة التي ارتبطت بالكيان فكرا وممارسة.

وتدل الحقائق الموضوعية على أن إسرائيل تحافظ على نظام الفصل العنصري من خلال مجموعة من القوانين المتشعبة، والتي تسمح بعمليات استيلاء واسعة على الأراضي، وبهندسة الميزان الديموغرافي، وتجزئة الشعب الفلسطيني والمناطق الفلسطينية، وتقوم هذه القوانين أيضًا بإدخال المستوطنين الذين تم نقلهم بشكل غير قانوني لاستعمار الأر اضي الفلسطينية.

كانت البداية مع تقرير الإسكوا
كان لبعض مؤسسات الأمم المتحدة وخاصة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، دور هام في هذا المجال بعدما أشارت الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للجنة في 15 آذار/مارس 2017، إلى أنه ليس بالأمر البسيط أن تستنتج هيئة من هيئات الأمم المتحدة أن نظاماً ما يمارس الفصل العنصري أو الأبارتهايد، وذلك بعد صدور تقرير أعدته الإسكوا حول "الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري (الأبارتهايد)"[1]، الذي رفضت الأمانة العامة للأمم المتحدة تبني مضامينه، وطالبت ببسحبه وعدم تداوله؛ الأمر الذي أدي إلى إستقالة د. خلف بعد ثلاثة أيام. على أن ذلك لا يعني عدم صوابية إستنتاجات التقرير، بقدر ما يكشف عن حجم الضغوط والتهديدات، ويكشف أيضاً عن مدى خطورة ما تضمنه بالنسبة لإسرائيل وحلفائها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.

فالتقرير يؤكد أن إسرائيل، التي يشجعها تجاهل المجتمع الدولي لانتهاكاتها المتواصلة والمتراكمة للقانون الدولي، نجحت طوال العقود الماضية "في فرض نظام فصل عنصري عبر وسيلتين: أولاً، تفتيت الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً لإضعاف قدرته على المقاومة وتغيير الواقع؛ وثانياً، قمع الفلسطينيين كلّهم بقوانين وسياسات وممارسات شتى وذلك بهدف فرض سيطرة جماعة عرقية عليهم وإدامة هذه السيطرة". وأضاف: "يبيّن أن لا حلّ في حلّ الدولتين أو في أي مقاربة إقليمية أو دولية، ما لم يتم تفكيك نظام الفصل العنصري الذي فرضته إسرائيل على الشعب الفلسطيني؛ فالفصل العنصري هو جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي الذي لا يحرّمه فحسب، بل يفرض أيضاً على الدول والهيئات الدولية وعلى الأفراد والمؤسسات الخاصة أن تتخذ إجراءات لمكافحة هذه الجريمة أينما وقعت ومعاقبة مرتكبيها".

ويوصي التقرير بعدة إجراءات منها: إعادة إحياء لجنة الأمم المتحدة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، ومركز الأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، اللذين توقف عملهما في سنة 1994 عندما اعتقد العالم أنه تخلص من الفصل العنصري بسقوط نظام الأبارثايد في جنوب أفريقيا، وكذلك "دعوة الدول والحكومات والمؤسسات إلى دعم مبادرات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات BDS وغيرها من المبادرات الهادفة إلى إسقاط نظام الفصل العنصري الإسرائيلي"[2].

سابقة إعتراف التقارير الإسرائيلية الموزونه
وكان من أبرز تلك المتغيرات صدور تقارير موزونه وموثقة من جهات إسرائيلية. ففي حزيران/يونيو 2020، نشرت المنظمة الإسرائيلية غير الحكومية "يش دين" التي تعني "هناك عدالة" تقريراً، بعنوان: "الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وجريمة الفصل العنصري: وجهة نظر قانونية"، الذي إستنتج بأن " جريمة فصل عنصري تُرتكب في الضفة الغربية"، وأن أحد المكونات الرئيسية لهذا الوضع "وجود مجموعتين قوميتين في المساحة الجغرافية نفسها في الضفة الغربية"، حيث تتكون المجموعة الأولى "من مدنيين يعيشون تحت الاحتلال وتحت سلطة الجيش، وليس لهم حقوق مدنية بل يخضعون لقوانين لا يمكنهم التأثير بأي شكل من الأشكال على سنّها"، وتتكون الأخرى "من مواطني الدولة المحتلة الذين يتمتعون بحقوق مدنية كاملة ولهم كل التأثير السياسي الذي يتمتع به مواطنو هذه الدولة، استنادًا إلى القوانين التي أقرها البرلمان الإسرائيلي الذي ينتخبونه والذي يمكن انتخابهم فيه".

وتبع ذلك نشر منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، تقريراً في 12 كانون الثاني/ يناير 2021، بعنوان: "نظام سيادة يهودية يمتد من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، إنه فصل عنصري"، أكدت فيه أن هذا النظام يطبق على مساحة فلسطين الانتدابية، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وأشارت فيه إلى أن الإجراءات الإسرائيلية لضمان سيادة اليهود على الفلسطينيين في هذه المنطقة وترسيخها ما هو سوى فصل عنصري وجريمة ضد الإنسانية، وفقاً للتعريف الذي وضعه القانون الدولي. وجاء في وثيقة "بتسيلم" أن "النظام الإسرائيليّ يطبّق في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر قوانين وإجراءات وعُنفاً منظّماً (عنف الدّولة)، غايتها السّعي إلى تحقيق وإدامة تفوّق جماعة من البشر أي اليهود على جماعة أخرى هُم الفلسطينيّون. وتشكّل هندسة الحيّز بطريقة مغايرة لكلّ من هاتين المجموعتين، إحدى الأدوات المركزيّة التي يستخدمها النظام لتحقيق هذا الهدف [..] وهكذا فإنّ الحيّز الجغرافيّ المتواصل بالنسبة لليهود هو بالنسبة إلى الفلسطينيّين حيّز فسيفسائيّ مشظّىً يتشكّل من قطع مختلفة".


وبحسب الوثيقة، "تخصّص إسرائيل للسكّان في كلّ من هذه الوحدات المعزولة رزمة من الحقوق تختلف عن تلك المخصّصة لسكّان الوحدات الأخرى، وجميعُها حقوق منقوصة مقارنة برزمة الحقوق الممنوحة للمواطنين اليهود. ونتيجة لهذا التقسيم يتمّ تطبيق مبدأ التفوّق اليهوديّ بطريقة مختلفة في كلّ وحدة ممّا يُنتج شكلاً مختلفاً من الظلم الواقع على الفلسطينيّين".

وقدمت الوثيقة، تفصيلاً لأربع وسائل رئيسيّة يسعى النظام الإسرائيليّ من خلالها إلى تحقيق التفوّق اليهوديّ. "اثنتان منها تطبّقان بشكل مشابه في كافّة المناطق: تقييد الهجرة لغير اليهود والاستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة لأجل بناء بلدات لليهود فقط وفي موازاة ذلك لأجل إنشاء معازل فلسطينيّة على مساحات ضيّقة. الوسيلتان الأخيرتان يجري تطبيقهما على الأخصّ في المناطق المحتلّة: قيود مشدّدة على حرّية حركة وتنقّل الفلسطينيّين من غير المواطنين وتجريد ملايين الفلسطينيّين من الحقوق السياسيّة. الصّلاحيّات الخاصّة بهذين الأمرين كلّها بالمطلق في يد إسرائيل إذ إنّها السّلطة الوحيدة التي تقرّر وتدير في كلّ مكان بين النهر والبحر سِجلّ السكّان ونظام الأراضي وحقّ التنقّل أو منعه وحقّ الدّخول والخروج وسِجلّ الناخبين [..] وتصعّب أيضاً انتقال الفلسطينيّين بين المعازل المختلفة إذا ما كان هذا الانتقال يؤدّي إلى تحسين مكانتهم وفق تصوّر النظام".

واعتبرت بتسيلم في تقريرها أن نظام الفصل العنصري في الحالة الإسرائيلية "لم يتم إنشاؤه بين عشية وضحاها، ولكن تم إضفاء الطابع المؤسسي عليه وأصبحت خصائصه أكثر وضوحاً مع الوقت"، وأن "الوسيلة الرئيسية التي تستخدمها إسرائيل لتحقيق مبدأ التفوق اليهودي، هي إنشاء فضاء جغرافي وديمغرافي وسياسي يدير فيه اليهود حياتهم في منطقة متواصلة يتمتعون فيها بحقوقهم الكاملة"، بينما يعيش الفلسطينيون في مناطق مقطعة الأوصال، وتقرر إسرائيل "ما هي الحقوق الممنوحة أو غير الممنوحة للفلسطينيين في هذه المناطق- وهي دائماً، على أي حال، حقوق ناقصة مقارنةً بـالحقوق التي يتمتع بها اليهود".

وفي هذا السياق، أشارت بتسيلم إلى أن أي شخص يريد أن يفهم السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بشكل منفصل عن قانون الدولة القومية اليهودية، الذي أقره الكنيست في 19 تموز/يوليو 2018، "يكذب على نفسه". وتستطرد "بتسيلم: " إن "إسرائيل تطبّق في كافّة الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر سياسة تهويد المكان، التي يوجّهها تصوّر يعتبر الأرض مورداً مخصّصاً لخدمة الجمهور اليهوديّ بشكل شبه حصريّ. وينصّ على أنّ "الدولة تعتبر تطوير الاستيطان اليهوديّ قيمة قوميّة، وسوف تعمل لأجل تشجيع وتعزيز الاستيطان وترسيخه".

وينص قانون الأساس هذا على أن" دولة إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي"، كما وأن حق تقرير المصير القومي في دولة إسرائيل يقتصر على اليهود؛ الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة التلقائية هي حصرية لليهود بموجب" قانون العودة"؛" القدس الكبرى والموحدة هي عاصمة إسرائيل"؛ العبرية هي لغة الدولة؛ اللغة العربية تفقد مكانتها كلغة رسمية في الدولة وسيحدد لها القانون مكانة خاصة بشكل منفصل؛ تعمل الدولة على 1 تشجيع الإستيطان اليهودي والدفع به ومأسسته؛ النشيد الوطني هو" هتكفا"، العلم هو العلم الإسرائيلي، يوم "الإستقلال "هو يوم عطلة وطني، التقويم العبري هو تقويم رسمي، والعطلات الرسمية هي الإعياد الرسمية اليهودية؛ وأن الدولة ستعمل على تعزيز العالقات مع" يهود الشتات."إنكار حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في وطنه (المادة 9 من القانون(؛ إنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين (المادة 5) .

ويستطرد مركز "بتسيلم" إنه "داخل أراضي الضفة الغربيّة تسيطر إسرائيل على جميع الشوارع الموصلة بين المعازل الفلسطينيّة. هذه السيطرة تتيح للجيش أن ينصب الحواجز الفجائيّة متى شاء وأن يسدّ مداخل القرى، وأن يغلق الشوارع ويمنع الحركة في الحواجز [..] حياة السكّان الفلسطينيّين خاضعة لقرارات ورغبات النظام الإسرائيليّ الذي يُمسك بالمفاصل المركزيّة للسّلطة في المناطق المحتلّة، ومنها الهجرة وسِجلّ السكّان وسياسة الأراضي والتخطيط وتوزيع موارد المياه وشبكة الاتّصالات والاستيراد والتصدير والأهمّ: السيطرة العسكريّة على الأرض والجوّ والبحر."

وأشارت بتسيلم في تقريرها إلى إن "الدمار الهائل الذي لحق بالمجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية وكذلك البناء المكثف للمستوطنات اليهودية فيها لا يمكن عزله عن تدمير قرية أم الحيران البدوية في النقب، وأن من المستحيل فهم تهديدات الهدم التي تطال خان الأحمر في الضفة الغربية دون رؤية كيف تم تنفيذ هذه التهديدات نفسها في قرية العراقيب في النقب".
وإختتمت بتسيلم تقريرها: "كيف يمكن النضال ضدّ الظلم إذا لم نسمّه باسمه؟ الأبارتهايد هو المبدأ الناظم - ولكن توصيفه وتعريفه بما هو لا يعني الاستسلام ورفع الرّاية البيضاء، وإنّما على العكس تماماً: إنّه نداء للتغيير". ورأت الصحافية وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة بتسيلم أورلي نوي، أن كلمة "فصل عنصري" لها "دلالات خطيرة للغاية، والذاكرة التاريخية التي تثيرها مخيفة"، وأن إثبات أن دولة إسرائيل "تحافظ على نظام الفصل العنصري على جانبي الخط الأخضر" لم يكن "أمرًا سهلاً بالنسبة لأي منا - ليس فقط كأعضاء في مجموعة حقوق إنسان، ولكن قبل كل شيء كمواطنين إسرائيليين".

منظمة أمريكية مرموقة تتجرأ على هتك الممنوع
كان لتقرير بتسيلم عظيم الأثر في فتح أبواب أمريكية كانت مغلقة بسيف تهمة اللاسامية، وذلك بصدور منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان في 27 نيسان/أبريل 2021، تقريراً بعنوان: "تجاوزا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد". ويتناول ويدقق هذا التقرير في معاملة إسرائيل للفلسطينيين، إنطلاقاً من أنه "توجد سلطة واحدة – الحكومة الإسرائيلية – هي الجهة الرئيسية التي تحكم المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريباً، تمنح هذه السلطة بشكل ممنهج امتيازات لليهود الإسرائيليين بينما تقمع الفلسطينيين، ويمارَس هذا القمع بشكله الأشدّ في الأراضي المحتلة"، ووصف التقرير المذكور السياسة الإسرائيلية تجاه الأقلية العربية والفلسطينيين بـ "الاضطهاد"؛ كل ذلك بهدف الحفاظ على هيمنة اليهود الإسرائيليين في كل مناطق إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما تم تشريعه رسمياً بإقرار الكنيست في سنة 2018 قانوناً ذا مكانة دستورية، أكد أن إسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، وأن حق تقرير المصير داخل تلك المنطقة "خاص بالشعب اليهودي"، واعتبر "الاستيطان اليهودي" قيمة قومية.

وعندما تضاف هذه الهيمنة إلى "القمع المنهجي" و "الأفعال اللاإنسانية"، فإنها تشكّل "جريمة فصل عنصري"، وذلك استناداً إلى "الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها" التي أقرتها الأمم المتحدة في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 1973، وإلى جريمة الفصل العنصري بصفتها "جريمة ضد الإنسانية" كما اعتمدها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في 17 تموز/ يوليو 1998.

وطالبت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الحكومة الإسرائيلية بـ "تفكيك جميع أشكال القمع والهيمنة المنهجية التي تمنح امتيازات لليهود الإسرائيليين وتقمع الفلسطينيين بشكل منهجي، ووضع حد لاضطهاد الفلسطينيين"، و"الكف عن بناء المستوطنات، وتفكيك المستوطنات القائمة"، وإحترام "حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة بشكل كامل، بإستخدام الحقوق التي تمنحها للمواطنين الإسرائيليين كمعيار"؛ كما دعت السلطة الفلسطينية إلى وقف أشكال التنسيق الأمني مع الجيش الإسرائيلي "التي تساهم في تسهيل ارتكاب جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد المرتكبتين ضد الإنسانية".

وأنهت المنظمة تقريرها بمطالبة الدول بإنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة للتحقيق "في التمييز والقمع المنهجيين على أساس الهوية الجماعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل"، على أن يكون لهذه اللجنة "صلاحية تحديد الوقائع وتحليلها، وتحديد المتورطين في الجرائم الخطيرة، بما يشمل جريمتي الفصل العنصري والاضطهاد، بهدف ضمان محاسبة الجناة".


تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة
المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية
بات كشف عنصرية دولة الكيان ومطاردتها تتزايد بشكل متسارع، وقد يكون ما يفوق المتوقع وفي مختلف المجالات، حتى في " البعد الديناميكي، النشط والخطير، وهو الكولونيالية الاستيطانية اليهودية". وقد جاء قرار مجلس حقوق الإنسان حول تشكيل لجنة دائمة للتحقيق في جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني مايو 2021، كـ "قاطرة قانونية – سياسية" لمطاردة الكيان، ولم تعد أمريكا بكل جبروتها قادرة على طمس الجوانب الإجرامية – العنصرية، بعد أن كسر إعلامها ذلك الجدار الأصم. فقد تناولت المنظمات الدولية المتخصصة والمتفرعة عن منظمة الأمم المتحدة، تفاصيل الكولونيالية الاستيطانية الإسرائيلية في العديد من تقاريرها.

وقد تبع تقرير الإسكوا المشار إيه سابقاً تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 مايكل لينك، الذي عرض أمام مجلس حقوق الإنسان، بتاريخ 11 تموز/ يوليو 2021، تقريره عن حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، عملاً بقرار لجنة حقوق الإنسان 1993/2 A وقرار مجلس حقوق الإنسان 5/1.

ويبين المقرر الخاص فيه الوضع الحالي لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، مع التركيز بشكل خاص على الوضع القانوني للمستوطنات وفقا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، مؤكدا أن “المجتمع الدولي اعتبر هذه الممارسة جريمة حرب عندما اعتمد نظام روما الأساسي في عام 1998.” وأوضح لينك بأن المستوطنات الإسرائيلية هي “محرك الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 54 عاما، الأطول في العالم الحديث".

وأبلغ المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط مجلس الأمن في 18 مناسبة متتالية، أن إسرائيل لم تتخذ أي خطوات للامتثال لالتزاماتها بموجب القرار 2334. وأكد لينك: “ومن المفارقات المأساوية أنه رغم كون المستوطنات الإسرائيلية محظورة بوضوح بموجب القانون الدولي، فإن المجتمع الدولي ما فتئ يتردد بشكل ملحوظ في إنفاذ قوانينه الخاصة". وقال لينك: “لقد ولى وقت انتقاد المستوطنات الإسرائيلية”، مضيفاً أن الأمين العام الأسبق، بان كي مون، قال الأسبوع الماضي فقط إن “انعدام أي مساءلة قانونية دولية هو الذي مكّن إسرائيل من تجاهل قرارات الأمم المتحدة المتعاقبة”، مشددا على أن “نهجاً جديداً يرتكز على القانون الدولي هو السبيل الوحيد لإنهاء عادل لهذا الاحتلال الدائم". ودعا المقرر الخاص في تقريره المجتمع الدولي إلى اعتماد خطة عمل خاصة بذلك.

واعتمد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بتاريخ 27 مايو 2021 قرارًا تاريخيًا، ب 24 صوت لصالح القرار، و9 ضده، وامتناع 14 عن التصويت، بتشكيل لجنة تحقيق دائمة؛ لمعالجة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة والجارية بحق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، ومعالجة الأسباب الجذرية للاستعمار الاستيطاني وجريمة الفصل العنصري الإسرائيلي.

وجاء التقرير السنوي لـ"اونكتاد"[3] حول واقع وتطورات الاقتصاد الفلسطيني للعام 2020، بأن "سلطات الاحتلال عن خططها بالضم والاستيطان والحصار والمعيقات لحركة الافراد والبضائع"، وتابع: "تؤدي المستوطنات إلى تدهور بيئي، وتسلب حق الشعب الفلسطيني في التنمية، حيث تقوم إسرائيل بنقل النفايات الخطرة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك النفايات الطبية، والزيوت المستعملة، والمذيبات والمعادن والبطاريات وآلاف الأطنان من النفايات الإلكترونية".

وأفاد التقرير أن إسرائيل، ولأغراض توسيع المستوطنات، تستولي على الأراضي وتدمر ملايين أشجار الزيتون وأشجار أخرى، مخلفة عواقب وخيمة، ولا تستثني عمليات الهدم والاستيلاء المدارس وأنابيب المياه والمباني الإنسانية الممولة من المانحين، حيث هدمت اسرائيل منذ 2009 حوالي 1343 مبنى ممولا من المانحين.
وتضمن التقرير أن الوضع في الأراضي الفلسطينية يتميز ب "التفتت الجغرافي وتشظي الاسواق، والقيود على استيراد المدخلات والتكنولوجيا، وفقدان الأراضي والموارد الطبيعية لصالح المستوطنات، وتسرب الموارد المالية إلى اسرائيل، واستنزاف الاقتصاد الإقليمي لقطاع غزة بسبب الحصار والعمليات العسكرية المستمرة، وكل هذا استمر خلال الجائحة".

في المقابل و "بحلول أوائل عام 2021، تمكنت إسرائيل من انشاء 280 مستوطنة، وارتفع عدد المستوطنين إلى أكثر من 650 ألفا، وبحلول عام 2019، كان هناك 11 مجمعا صناعيا اسرائيليا في المناطق المسماة (ج) من الضفة الغربية، وأنفقت إسرائيل مليارات لتشييد بنية تحتية حديثة لتوسيع المستوطنات، وتقديم حوافز سخية للمستوطنين ورجال الاعمال، مثل الأراضي الرخيصة المستولى عليها من الفلسطينيين، وحوافز إسكان، وإعانات للأعمال التجارية وللمناطق الصناعية، ومزايا ضريبية، وإعانات توظيف. وتأتي السيسة الإسرائيلية هذه وهي تعلم أن عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية هي واحدة من أكثر القضايا التي لا جدال فيها وغير الخلافية في القانون الدولي الحديث والدبلوماسية، فقد أكد عدم شرعية المستوطنات كل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة والعديد من المنظمات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2016، كرر مجلس الأمن الدولي مطالبته التي طال أمدها في القرار 2334، بأن على إسرائيل أن توقف على الفور وبشكل كامل جميع الأنشطة الاستيطانية منذ أوائل عام 2017. وعلى الأهمية البالغ لكافة تلك التقاريرالمُعتبرة، التي "تتطرق إلى هندسة الفضاء وإلى سيطرة اليهود المعادية على اراضي الفلسطينيين.

ولكن في الوقت الذي يعتبر فيه تعريف النظام في إسرائيل على أنه ابرثايد، ويتجذر في الخطاب الدولي"، إلا أنه يتوجب الإشارة إلى ما تناولته الصحفية الإسرائيلية الصديقة للشعب الفلسطيني عميرة هاس، من أن التقارير المذكورة اعلاه، "يتم طمس الفرق بين انواع الابرثايد أيضاً، التي تعيش تحت سقف واحد: في حدود 1948، الأبرثايد ناضج ومتشكل أكثر. الفلسطينيون هم دونيون، لكن ايضا يعتبرون مواطنين يتم عدهم في الاحصاء. في مناطق 1967 عملية الاستيطان – التهجير ما زالت في الذروة. الرعايا الفلسطينيون معرضون أكثر لخطر الطرد، الهادئ والعام، الذي يتمثل بايديولوجيا «الزيادة»، التي تنشرها حركات الاستيطان والمستوطنون".

وتستطرد "وبعد أن صاغت بتسيلم ونشرت موقفها تم فتح نقاش اعلامي دولي واسع يجب أن نبارك؛ فصفة أبرتهايد أصبحت ترتبط بالنظام الإسرائيلي بين البحر والنهر، وأصبحت شائعة أكثر وأكثر شرعية، بل باتت دارجة"؛ على أن هيس تحذر من أنه "في ذروة الحماسة اثناء التحدث عن الابرتهايد يبهت البعد الديناميكي، النشط والخطير، وهو الكولونيالية الاستيطانية اليهودية"[4].

وبهذه التقارير وغيرها الكثير، ما يوثق وقائع " البعد الديناميكي، النشط والخطير، وهو الكولونيالية الاستيطانية اليهودية"، والتي تعتبر السياسة والأداة الرسمية لفرض الفصل العنصري في فلسطين، والتي تعتبر وبالضرورة إسناداً وثائقياً من جهات دولية متخصصة وذات علاقة بالموضوع، تثبت بأن الكولونيالية الصهيونية لها خصائص ومميزات تدميرية وأكثر قسوة وانتهاكا لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني، وباعتبارها أيدلوجيا وسياسة وممارسة منهجية رسمية للفصل العنصري، من قبل كيان استيطاني إجلائي إحلالي وفصل عنصري.

إسرائيليون يتجرأون بالبوح عما أخفوه
لعل ما يستحق التنويه، أن إصدار ما تقدم من تقارير بشأن الفصل العصري الصهيوني وخاصة تقرير بتسيلم آنف الذكر، دفع الكثيرين من الصامتين الإسرائيليين إلى البوح عما أخفوه وحتى أنكروه. فمثلاً، ذكر سفراء سابقون لإسرائيل في جنوب إفريقيا[5]، أنّهم خلال عملهم في السلك الدبلوماسي، في جنوب إفريقيا، "تعلمنا عن كثب حقيقة الفصل العنصري والفظائع التي أحدثها، ولكن أكثر من ذلك - ساعدتنا الخبرة والفهم الذي اكتسبناه في الجنوب على فهم الواقع في الوطن [..] وتستند بانتوستانات جنوب إفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري وخريطة الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم إلى نفس الفكرة المتمثلة في تركيز السكان غير المرغوب فيهم في أصغر مساحة ممكنة، في سلسلة من الجيوب غير المتجاورة، من خلال طرد هؤلاء السكان تدريجياً من أراضيهم وتركيزهم في جيوب كثيفة وممزقة".

ولفتوا إلى أن إسرائيل "تميز بشكل منهجي على أساس الجنسية والعرق، مثل هذا الواقع، كما رأينا أنفسنا، هو فصل عنصري [..] وحان الوقت لأن يدرك العالم أن ما رأيناه في جنوب إفريقيا منذ عقود ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضًا، ومثلما انضم العالم إلى النضال ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فقد حان الوقت للعالم لاتخاذ إجراءات دبلوماسية حاسمة في حالتنا أيضًا والعمل من أجل بناء مستقبل من المساواة والكرامة، والأمن للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء".

واستطرد السفراء بأن "هذه الإنتهاكات الإسرائيلية الجسيمة تندرج في تعريف التطهير العرقي، بإعتبار أنها سياسة تستهدف مجموعة عرقية ودينية وهي الشعب العربي الفلسطيني، لتهجير السكان المدنيين الفلسطينيين من مناطق جغرافية محددة و"تطهيرها" منهم، بأساليب عنيفة وإرهابية وقسرية، وحجز المدنيين في مناطق معزولة أشبه ما تكون بالغيتوات (المعازل)، وإزالتهم، وتهجيرهم وترحيلهم قسراً، والتدمير المتعمَّد لممتلكاتهم. وتندرج هذه الممارسات في إطار جرائم بحق الإنسانية وتحت مسمّى الإبادة الجماعية في حالات معيّنة، ويمكن ممثلتها ببعض جرائم الحرب، بالإضافة إلى أن هذه الجرائم قد تُدرج تحت معنى اتفاقية الإبادة الجماعية، وتندرج كجريمة ضد الإنسانية بموجب مبادئ وأحكام المحكمة الجنائية الدولية".

ويكتب يوفال نوح هراري[6]، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية في القدس ومؤلف كتب "موجز تاريخ البشرية" و"موجز تاريخ الغد" و"21 درساً عن القرن ال 21": " إنتقلت القوى الحاكمة في إسرائيل من حل الدولتين إلى حل الطبقات الثلاث. فهي ترى، في مخيلتها، دولة واحدة بين البحر ونهر الأردن يعيش فيها ثلاثة أنواع من البشر: اليهود، الذين سيتمتعون بكامل الحقوق؛ العرب من الصنف أ (الدرجة الأولى)، الذين سيتمتعون بجزء من الحقوق؛ والعرب من الصنف ب (الدرجة الثانية)، الذين لن يتمتعوا بأي من الحقوق، تقريباً.

ويبدو أن أغلبية اليهود في إسرائيل تفضل استمرار هذا الوضع، كما هو عليه الآن، إلى الأبد. فإسرائيل هي المسيطرة على الأغلبية الساحقة من الأراضي ومصادر المياه، وعلى الحيز الجوي والرقمي، بالكامل، في الضفة الغربية. وتتدخل إسرائيل أيضاً، من دون توقف، في كل تفاصيل حياة السكان الفلسطينيين اليومية [..] ألا يمكننا الاعتراف بأننا نسير نحو حل الطبقات الثلاث؟ أي نحو دولة واحدة يعاني مليونان من مواطنيها التمييز في التعليم، وفي السكن، وفي الخدمات الشُرَطية، بينما ملايين أُخرى من سكانها لا تتمتع حتى بحق التصويت في الانتخابات؟ دولة واحدة فيها ثلاثة أنواع من الناس. دولة واحدة فيها نوع واحد من الناس متمتع بأفضلية في الأمن الشخصي، وفي الحركة والتنقل، وفي العمل، وفي كل شيء".
وقد عبر بينيت عن هذه المقاربة في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز"[7] قبيل القيام برحلته الأخيرة إلى واشنطن، حيث قال: "لن تقوم الحكومة بالضم، ولن تقيم دولة فلسطينية، والجميع يفهمون ذلك. بل سوف تمضي إسرائيل في السياسة المعتادة المتمثلة في النمو الطبيعي للمستوطنات في الضفة الغربية"؛ وقال بينيت بأن الوضع القائم والمتمثل في حالة "اللا حرب واللا سلم" ليس وضعاً مؤقتاً، بل إنه الحالة الدائمة التي يتطلع إلى تكريسها [..] لن تمنح إسرائيل الفلسطينيين حقوقاً مدنية مساوية لتلك التي يحصل عليها جيرانهم اليهود، كما سيكون متطلباً من قبل أي ضم جزئي أو كلي للضفة الغربية. وهذه المقاربة أيضاً لها اسم، إنه الأبارتهايد، ويعتقد بينيت أنها المقاربة الوحيدة الممكنة".

مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه جريمة الفصل العنصري
يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليات قانونية وسياسية رسمية للدفاع عن نظام دولي قائم على المبادئ والقواعد، والتصدّي لانتهاكات حقوق الإنسان والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتنفيذ قراراته العديدة التي تنتقد سلوك إسرائيل واحتلالها الأراضي الفلسطينية منذ زمن. وعلى الدول على وجه التحديد واجب عدم الاعتراف بـ أو مساعدة أو مساندة أيّ دولة ترتكب أي شكل من أشكال الأنشطة غير القانونية، مثل الضمّ أو إنشاء مستوطنات مدنية في الأراضي المحتلة.

على أن المستجد وهو قديم حديث، فقد بات وصف إسرائيل بأنها دولة "فصل عنصري" من أهم أحد أهم متغيرات عام 2021. يعيدنا هذا التغير إلى الوراء بنحو خمسة وأربعون عاماً، ففي نوفمبر 1975 اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 3379، "أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري". وطالب القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيدلوجية الصهيونية كونها تشكل خطرًا على الأمن والسلم العالميين. ورغم ان أمريكا تمكنت من فرض إلغاء القرار في ديسمبر 1991، شرطا لعقد مؤتمر مدريد، لكن جوهر القرار نصا وممارسة زاد بمختلف مظاهره، في فلسطين التاريخية.

وتعتبر ممارسة التمييز العنصري جريمة ضد الإنسانية بموجب الاتفاقية العالمية لمنع ومعاقبة جرائم الفصل العنصري (1976)، ومشروع قانون الجرائم ضد السلام وأمن البشرية (1996) وميثاق روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية (1998). وتحدد الصكوك المذكورة ممارسات وسياسات الفصل العنصري والقمع المنهجي، بهدف إنشاء وإدامة السيطرة العنصرية لفئة معينة على فئة أخرى. وتُعرّف اتفاقية الفصل العنصري جريمة الفصل العنصري، وهي جريمة ضدّ الإنسانية، على أنها "الأفعال اللاإنسانية... المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية [عرقية] ما من البشر علي أية فئة عنصرية [عرقية] أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية".

ويعتمد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تعريفا مماثلا: "أية أفعال لا إنسانية... تُرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه القمع المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام". لا يقدم نظام روما الأساسي شرحا إضافيا بشأن ما الذي يشكل "نظاما مؤسسيا". وبموجب اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي، تتكوّن جريمة الفصل العنصري من ثلاثة عناصر أساسية: هي نية الإبقاء على نظام تُهيمن فيه مجموعة عرقية على أخرى؛ قمع منهجي ترتكبه مجموعة عرقية ضد مجموعة أخرى؛ وعمل أو أعمال لاإنسانية، كما تمّ تعريفها، تُرتكب على نطاق واسع أو منهجي عملا بتلك السياسات.

ومن الأفعال اللاإنسانية التي حددتها اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي "الابعاد القسري"، و"نزع ملكية العقارات"، و"خلق محتجزات ومعازل مفصولة"، وحرمان الناس من "الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، والحق في حمل الجنسية". وتشير إتفاقية الفصل العنصري بشكل خاص إلى أدوات “الممارسات غير الإنسانية”، بما فيها “الإجراءات التشريعية التي تسن لمنع جماعة عرقية أو جماعات عرقية من المشاركة في العملية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية والثقافية للدولة”، والإجراءات التشريعية التي تسن لتقسيم السكان وفقاً لأسس عرقية، عن طريق إنشاء معازل وتجمعات منفصلة سكنية لأعضاء مجموعة أو مجموعات عرقية.

وقد خلصت التقارير الدولية سابقة البيان، إلى أن الحكومة الإسرائيلية أظهرت نيتها الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واقترنت هذه النية بالقمع المنهجي للفلسطينيين والأفعال اللاإنسانية ضدهم. عندما تحدث هذه العناصر الثلاثة معا، فإنها ترقى إلى جريمة الفصل العنصري.

كما ارتكب المسؤولون الإسرائيليون جريمة الاضطهاد، وهي أيضا جريمة ضدّ الإنسانية. تستند هذه النتيجة إلى نية التمييز الكامنة وراء معاملة إسرائيل للفلسطينيين، والانتهاكات الخطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي شملت المصادرة الواسعة للأراضي بملكيّة خاصة، والمنع الفعلي للبناء أو العيش في العديد من المناطق، والحرمان الجماعي من حقوق الإقامة، والقيود المجحفة المفروضة منذ عقود على حرية التنقل والحقوق المدنية الأساسية.

نحو إستراتيجية وطنية فلسطينية
لمنع ومعاقبة الفصل العنصري الصهيوني
ما تقدم يشير إلى أن ثمة تغيرات جوهرية وإستراتيجية، قد طرأت على مسيرة ملاحقة ومساءلة إسرائيل عن الجرائم التي ترتكبها ولا تزال بحق الشعب العربي الفلسطيني فالتقارير القانونية التي تم إستعراض خلاصات بعضها، تثبت بالوقائع والأدلة والإسناد القانوني الدولي الإنساني، بأن إسرائيل تقترف جريمتي الفصل العنصري والإضطهاد بحق الشعب الفلسطيني. وقد ترافق مع ذلك تأييد غير مسبوق في العالم لمساءلة إسرائيل عن تلك الجريمتين اللتان تتصفان بالجرائم ضد الإنسانية، وفي مقدمته حتى في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ذاتها.
وإنطلاقاً من ذلك، بات من الضرورة بمكان البدء بوضع استراتيجية وطنية فلسطينية، تكون بمستوى هذا التطور الجوهري والاستراتيجي.

وقد باتت أحد أدوات وآليات مساءلة إسرائيل نافذة المفعول، فاعتماد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بتاريخ 27 مايو 2021، ب 24 صوت لصالح القرار و9 ضده، وامتناع 14عن التصويت، قرار تاريخي يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية دائمة؛ لمعالجة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة والجارية بحق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، ومعالجة الأسباب الجذرية للاستعمار الاستيطاني وجريمة الفصل العنصري الإسرائيلي، يعتبر وبحق إنتصاراً جوهرياً لقضايا شعبنا الفلسطيني.

ولأول مرة يُشمل قرار دولي كافة أرجاء الأراضي الفلسطينية التاريخية ولايته واختصاصه، ويُقر بضرورة معالجة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة والجارية بحق الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر، وليس في الأراضي التي إحتُلت في حزيران/ يونيو عام 1967. وكذلك فإن القرار يُحدد للجنة التحقيق معالجة الأسباب الجذرية للاستعمار الاستيطاني وجريمة الفصل العنصري الإسرائيلي. وكذلك فإن القرار يُحدد للجنة التحقيق مهمتها والمتمثلة بمعالجة الأسباب الجذرية للاستعمار الاستيطاني وجريمة الفصل العنصري الإسرائيلي. كما أن المجلس وفي سابقة تاريخية يعتبر أن مدة ولاية لجنة التحقيق هي دائمة.

إن مقتضيات عمل لجنة التحقيق، تتطلب من الطرف الفلسطيني الاستعداد لها، بجملة من الخطوات والواجبات لتكون قادرة على الإيفاء بما يتوجب عليها تجاه اللجنة الدولية؛ مما يستوجب الشروع وبأسرع الآجال بتكليف لجنة وطنية ذات اختصاص بالقانون الدولي الإنساني، وتكليفها بوضع استراتيجية وطنية فلسطينية لمنع ومعاقبة الفصل العنصري والاضطهاد الصهيوني بحق شعبنا. ولعل مرتكزات وعناصر تلك الاستراتيجية باتت متوفرة في إستخلاصات وتوصيات التقارير سابق البيان في هذه العجالة، وغيرها الكثير الكثير ممن التقارير التي يستوجب إعادة دراستها وبلورتها ووضع آليات إنفاذها.

________________________________________
[1]اللجنة الاجتماعية والاقتصادية للأمم المتحدة في غرب آسيا, الممارسات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وقضية الفصل العنصري(2017( UN Doc E/ESCWA/ECRI/2017/:

[2] د. ماهر الشريف، إسرائيل دولة فصل عنصري: حقيقة يزداد الاقتناع بها، مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها الصادر بتاريخ 2 آب/ أغسطس 2021.

[3] جعفر صدقة، وكالة الأنباء الفلسطينية وفا، بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 2021.

[4] عميرة هاس، ما زالوا يعتبرون الفلسطينيين زائدين فوق هذه الأرض، هآرتس/ الأيام 6 تموز/ يوليو 2021.